فصل: باب سُجُود التِّلَاوَة وَالشُّكْر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.باب سُجُود التِّلَاوَة وَالشُّكْر:

ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا:

.أما الْأَحَادِيث:

فخمسة عشر حَدِيثا:

.الحديث الأول:

عَن زيد بن ثَابت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «قَرَأت عَلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سَجْدَة والنجم فَلم يسْجد فِيهَا وَلَا أمره بِالسُّجُود».
هَذَا الحَدِيث اتّفق الشَّيْخَانِ عَلَى إِخراجه من حَدِيثه «أَنه قَرَأَ عَلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم والنجم إِذا هوى فَلم يسْجد» هَذَا لفظ مُسلم، وَلَفظ البُخَارِيّ: «قَرَأت عَلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم والنجم فَلم يسْجد فِيهَا».
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ: «لم يسْجد منا أحد» وَقَول الرَّافِعِيّ «وَلَا أَمر بِالسُّجُود» تبع فِيهِ الْمَاوَرْدِيّ وَلَعَلَّهُمَا أَرَادَا أَنه لم يفعل ذَلِك إِن لم يُوجد كَذَلِك فِي رِوَايَة. ثمَّ اعْلَم أَن ابْن حزم أعلَّ هَذَا الحَدِيث فِي محلاه فَقَالَ: وَاحْتج المقلدون لمَالِك بِهَذَا الحَدِيث، ثمَّ رَاوِيه قد صَحَّ عَن مَالك أَنه لَا يعْتَمد عَلَى رِوَايَته، وَهُوَ يزِيد بن عبد الله بن قُسَيْط هَذَا كَلَامه. وَهَذَا الحَدِيث قد أخرجه الشَّيْخَانِ من طَرِيقه وَكَذَا أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حسن صَحِيح. وَمَا نَقله عَن مَالك فِي ابْن قسيط لَا نعلمهُ عوضا عَن صِحَّته، ثمَّ إِن مَالِكًا قد أخرج لَهُ فِي موطئِهِ فَلَو كَانَ لَا يعْتَمد عَلَى رِوَايَته لما رُوِيَ عَنهُ فِي الْمُوَطَّأ وَحده، وَقد قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: ابْن قسيط ثِقَة وَلَو لم يكن ثِقَة مَا رَوَى عَنهُ مَالك. وَقَالَ ابْن عدي: رَوَى مَالك عَنهُ غير حَدِيث وَقد أَثْنَى النَّاس عَلَيْهِ.
تَنْبِيه: أجَاب الْبَيْهَقِيّ تبعا للشَّافِعِيّ عَن هَذَا الحَدِيث بِأَن قَالَ: يحْتَمل أَن يكون رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا لم يسْجد؛ لِأَن زيدا لم يسْجد وَكَانَ هُوَ الْقَارئ، وَكَانَ سَبَب هَذَا الِاحْتِمَال أَنه عَلَيْهِ السَّلَام سجد فِيهَا كَمَا أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَرَأَ والنجم فَسجدَ فِيهَا وَسجد من كَانَ مَعَه غير أَن شَيخا أَخذ كفًّا من حَصى- أَو تُرَاب- فرفعه إِلَى جَبهته وَقَالَ: يَكْفِينِي هَذَا، قَالَ عبد الله: لقد رَأَيْته بعد قُتِلَ كَافِرًا» وَيحْتَمل أَن يكون تَركه فِي حَدِيث زيد لبَيَان الْجَوَاز وَأَنه لَيْسَ بِوَاجِب؛ لَا كَمَا يَقُوله الْمُخَالف.
فَائِدَة: هَذَا الشَّيْخ الَّذِي لم يسْجد هُوَ أُميَّة بن خلف، وَفِي الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير أَنه الْوَلِيد بن الْمُغيرَة، وَقيل إِنَّه عتبَة بن ربيعَة، وَقيل: أَبُو أحيحة سعيد بن الْعَاصِ، حَكَاهُمَا الْمُنْذِرِيّ فِي حَوَاشِيه وَقَالَ: الأول أصح. وَهُوَ الَّذِي ذكره البُخَارِيّ. قلت: وَبِه جزم النوويُّ فِي شرح مُسلم وَعبد الْحق فِي جمعه.
تَنْبِيه ثَان: هَذَا الحَدِيث استدلَّ بِهِ الرَّافِعِيّ عَلَى أَن سُجُود التِّلَاوَة لَيْسَ بِوَاجِب، وَهُوَ يتم إِذا ثَبت أَن سَجدَات الْمفصل من عزائم السُّجُود، وَمذهب زيد بن ثَابت عَلَى مَا رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم أَنه لَا سُجُود فِي الْمفصل.

.الحديث الثَّانِي:

عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يسْجد فِي شَيْء من المفصَّل مُنْذُ تحول إِلَى الْمَدِينَة».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه من حَدِيث أَزْهَر بن الْقَاسِم، عَن أبي قدامَة، عَن مَطَر الْوراق، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا بِهِ، وَأَبُو قدامَة الْمَذْكُور اسْمه: الْحَارِث بن عبيد إيادي بَصرِي وَهُوَ من رجال مُسلم وَأبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ، ضَعَّفُوهُ. قَالَ أَحْمد: مُضْطَرب الحَدِيث. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَهَذَا عِنْدهم يكون من سوء الْحِفْظ. وَقَالَ يَحْيَى بن معِين: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ مرّة: ضَعِيف. وَقَالَ الفلاَّس: رَأَيْت ابْن مهْدي يحدث عَنهُ وَقَالَ: مَا رَأَيْت إِلَّا خيرا. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ السَّاجي: صَدُوق عِنْده مَنَاكِير. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ شَيخا صَالحا مِمَّن كثر وهمه، لَا يحْتَج بِهِ إِذا انْفَرد.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: وَهَذَا الحَدِيث يَدُور عَلَيْهِ، وَقد ضعفه يَحْيَى بن معِين، وَحدث عَنهُ ابْن مهْدي وَقَالَ: كَانَ من شُيُوخنَا، وَمَا رَأَيْت إِلَّا خيرا. قَالَ: وَالْمَحْفُوظ عَن ابْن عَبَّاس مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَرَأَ بِالنَّجْمِ، فَسجدَ مَعَه الْمُسلمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ، وَالْجِنّ وَالْإِنْس» وَقَالَ فِي معرفَة السّنَن والْآثَار: أَبُو قدامَة مُخْتَلف فِي عَدَالَته.
قلت: وَضَعفه أَيْضا غير وَاحِد من المتأخِّرين. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي كتبه الثَّلَاث التَّحْقِيق، والْعِلَل، والْإِعْلَام: هَذَا الحَدِيث لَا يَصح فِيهِ أَبُو قدامَة، وَقد ضعفه يَحْيَى وَأحمد. وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي مُخْتَصر السّنَن: فِي إِسْنَاده أَبُو قدامَة وَلَا يحْتَج بحَديثه. وَقَالَ فِي كَلَامه عَلَى الْمُهَذّب: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد كَمَا سلف، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، عَن أبي قدامَة، عَن مطر الْوراق- أَو رجل- وَرَوَاهُ بكر بن خلف، عَن حُسَيْن الْمُقْرِئ، عَن أَزْهَر فَقَالَ فِي مَتنه «إِن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سجد فِي النَّجْم وَهُوَ بِمَكَّة، فَلَمَّا هَاجر إِلَى الْمَدِينَة تَركهَا».
قَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا الحَدِيث مَدَاره عَلَى أبي قدامَة، وَقد ضعفه يَحْيَى وَأحمد. قلت: وَهَذَا اللَّفْظ الْأَخير ذكره ابْن السَّكن فِي صحاحه.
وَقَالَ الْحَافِظ عبد الْحق فِي أَحْكَامه: هَذَا الحَدِيث لَيْسَ إِسْنَاده بِقَوي. قَالَ: وَيروَى أَيْضا مُرْسلا قَالَ: وَالصَّحِيح مَا تقدَّم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة يُشِير إِلَى الحَدِيث الْآتِي بعد هَذَا، وأعلَّه ابْن الْقطَّان أَيْضا بمطرٍ الْوراق، وَقَالَ: كَانَ يُشبه فِي سوء الْحِفْظ بِمُحَمد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، وَقد عيب عَلَى مُسلم إِخْرَاج حَدِيثه.
وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب: هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بِصَحِيح. وَضَعفه أَيْضا فِي خلاصته.
وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان: مطر رَدِيء الْحِفْظ. وَهَذَا مُنكر؛ فقد صَحَّ أَن أَبَا هُرَيْرَة سجد مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي {إِذا السَّمَاء انشقت} وإسلامه مُتَأَخّر وَقَالَ ابْن شاهين فِي ناسخه ومنسوخه: إِن صَحَّ هَذَا الحَدِيث يكون نَاسِخا لحَدِيث ابْن مَسْعُود السالف؛ لِأَن ذَلِك كَانَ بِمَكَّة.
قلت: أَنى لَهُ بِالصِّحَّةِ وَضَعفه قد ظهر كَمَا قَرَّرْنَاهُ؟!

.الحديث الثَّالِث:

عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «سجدنا مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي {إِذا السَّمَاء انشقت} و{اقْرَأ باسم رَبك}».
هَذَا الحَدِيث أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه كَذَلِك وَلم يذكر البُخَارِيّ سَجْدَة اقْرَأ ورويا عَن أبي رَافع قَالَ: «صليت خلف أبي هُرَيْرَة صَلَاة الْعَتَمَة فَقَرَأَ: إِذا السَّمَاء انشقت فَسجدَ فِيهَا فَقلت لَهُ: مَا هَذِه السَّجْدة؟! فَقَالَ: سجدت فِيهَا خلف أبي الْقَاسِم فَلَا أَزَال أَسجد فِيهَا حَتَّى أَلْقَاهُ» وَفِي بعض طرق البُخَارِيّ «لَو لم أر النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سجد لم أَسجد» وَفِي رِوَايَة للبزار من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ: «رأيتُ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سجد فِي إِذا السَّمَاء انشقت عشر مَرَّات».
تَنْبِيه: قَالَ الرَّافِعِيّ: كَانَ إِسْلَام أبي هُرَيْرَة بعد الْهِجْرَة بسنين- أَي: سبع سِنِين- وَرَأَيْت من يصحفه ويقرؤه بِلَفْظ التَّثْنِيَة ويعترض عَلَى الرَّافِعِيّ فِي ذَلِك وَهَذَا تَحْرِيف مِنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ بِلَفْظ الْجمع، والرافعي نَفسه قد صرح فِي كِتَابه الأمالي بِأَنَّهُ أسلم سنة سبع من الْهِجْرَة؛ فَتنبه لذَلِك.

.الحديث الرَّابِع:

عَن ابْن عَبَّاس رضى الله عَنهُ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام سجد فِي ص وَقَالَ: سجدها دَاوُد توبةًَّ، ونسجدها شكرا».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشافعيُّ عَن ابْن عُيَيْنَة، عَن أَيُّوب، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس رضى الله عَنهُ «عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه سجدها- يَعْنِي فِي ص» وَرَوَاهُ فِي الْقَدِيم عَن سُفْيَان، عَن عمر بن ذَر، عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «سجدها دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام تَوْبَة، ونسجدها نَحن شكرا» يَعْنِي: ص.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظ وَهُوَ مُرْسل، قَالَ: وَقد رُوِيَ من وَجه آخر عَن عمر بن ذَر، عَن أَبِيه، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس مَوْصُولا، وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَكَذَا قَالَ فِي الْمعرفَة والخلافيات: إِنَّه رُوِيَ مُرْسلا بِإِسْقَاط ابْن عَبَّاس وَرُوِيَ مَوْصُولا من أوجه؛ وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَكَذَا قَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب أَن الْمَحْفُوظ إرْسَاله، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ مُتَّصِلا فِي موضِعين فِي سنَنه من حَدِيث حجَّاج بن مُحَمَّد، عَن عمر بن ذَر عَن أَبِيه، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عبَّاس أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ فِي سَجْدَة ص: «سجدها نَبِي الله دَاوُد تَوْبَة، ونسجدها شكرا».
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مُتَّصِلا أَيْضا من حَدِيث عبد الله بن بزيع: عَن عمر بن ذَر، عَن أَبِيه، عَن سعيد، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا. وَعبد الله بن بزيع هَذَا قَالَ فِيهِ ابْن عدي: لَيْسَ عِنْدِي مِمَّن يحْتَج بِهِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لين الحَدِيث لَيْسَ بمتروك قلت: وَلم ينْفَرد بِهِ؛ بل توبع عَلَيْهِ كَمَا سلف، وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه من هَذَا الْوَجْه وأعلَّه بِابْن بزيع، وَذكر كَلَام ابْن عدي فِيهِ، وَأما ابْن السكن فِي سنَنه الصِّحَاح فَذكره.

.الحديث الخَامِس:

عَن عقبَة بن عَامر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قلت: «يَا رَسُول الله، فضلت سُورَة الْحَج بِأَن فِيهَا سَجْدَتَيْنِ؟ قَالَ: نعم، وَمن لم يسجدهما فَلَا يقرأهما».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنهمْ من رِوَايَة ابْن لَهِيعَة، عَن مشرح بن هاعان، عَن عقبَة بِهِ وَاللَّفْظ لِلتِّرْمِذِي، وَلَفظ أَحْمد: «قلت: يَا رَسُول الله، أفضِّلت سُورَة الْحَج عَلَى سَائِر الْقُرْآن بسجدتين؟ قَالَ: نعم، وَمن لم يسجدهما فَلَا يقرأهما».
وَلَفظ أبي دَاوُد: «قلت: يَا رَسُول الله، فِي سُورَة الْحَج سَجْدَتَانِ؟ قَالَ: نعم...» إِلَى آخِره.
وَلَفظ الدَّارَقُطْنِيّ: «قلت: يَا رَسُول الله، فِي سُورَة الْحَج سَجْدَتَانِ؟ قَالَ: نعم، إِن لم تسجدهما فَلَا تقرأهما».
وَهُوَ حَدِيث فِي إِسْنَاده ضعيفان:
أَحدهمَا: ابْن لَهِيعَة وَقد سلف حَاله فِي أَوَاخِر بَاب الْوضُوء، وَإِن الْبَيْهَقِيّ قَالَ: أجمع أَصْحَاب الحَدِيث عَلَى ضعفه وَترك الِاحْتِجَاج بِمَا ينْفَرد بِهِ.
ثَانِيهمَا: مشرح بن هاعان لَا يحْتَج بِهِ، قَالَ ابْن حبَان: انقلبت عَلَيْهِ صحائفه؛ فَكَانَ يحدث بِمَا سمع من هَذَا عَن ذَاك وَهُوَ لَا يعلم فَكل مَا يروي عَن شُعْبَة هُوَ مَا سَمعه من الْحسن بن عمَارَة؛ فَبَطل الِاحْتِجَاج بِهِ. لَا جرم قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حديثٌ لَيْسَ إِسْنَاده بِالْقَوِيّ. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي موضِعين:
أَحدهمَا: فِي أثْنَاء صَلَاة الْجَمَاعَة، وَأَشَارَ إِلَى ضعفه؛ فَإِنَّهُ قَالَ: وَقد رُوِيَ بِإِسْنَاد رِوَايَة عبد الله بن لَهِيعَة إِن فِي سُورَة الْحَج سَجْدَتَيْنِ ثمَّ سَاقه بِسَنَدِهِ إِلَى ابْن لَهِيعَة عَن مشرح، عَن عقبَة بِلَفْظ التِّرْمِذِيّ السالف.
الثَّانِي: فِي كتاب التَّفْسِير فِي تَفْسِير سُورَة الْحَج سَاقه من رِوَايَة ابْن لَهِيعَة عَن مشرح، عَن عقبَة بِلَفْظ الإِمَام أَحْمد السالف ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لم نَكْتُبهُ مُسْندًا إِلَّا من هَذَا الْوَجْه قَالَ: وَعبد الله بن لَهِيعَة بن عقبَة الْحَضْرَمِيّ أحد الْأَئِمَّة، إِنَّمَا نقم عَلَيْهِ اخْتِلَاطه فِي آخر عمره. قَالَ الْحَاكِم: وَقد صحت الرِّوَايَة فِيهِ من قَول عمر بن الْخطاب وَعبد الله بن عَبَّاس وَعبد الله بن عمر وَعبد الله بن مَسْعُود وَأبي مُوسَى وَأبي الدَّرْدَاء وعمَّار.
أما حَدِيث عمر: فروَى عبد الله بن ثَعْلَبَة «أَنه صَلَّى مَعَه الصُّبْح فَسجدَ فِي الْحَج سَجْدَتَيْنِ» وَأما حَدِيث عبد الله بن عَبَّاس فروَى أَبُو الْعَالِيَة عَنهُ أَنه قَالَ: «فِي سُورَة الْحَج سَجْدَتَانِ».
وَأما حَدِيث ابْن عمر فروَى نَافِع عَنهُ «أَنه سجد فِي الْحَج سَجْدَتَيْنِ».
وَأما حَدِيث ابْن مَسْعُود وعمار؛ فروَى عَاصِم، عَن زر عَنْهُمَا «أَنَّهُمَا كَانَا يسجدان فِي الْحَج سَجْدَتَيْنِ».
وَأما حَدِيث أبي مُوسَى فروَى صَفْوَان بن مُحرز عَنهُ «أَنه سجد فِي سُورَة الْحَج سَجْدَتَيْنِ، وَأَنه قَرَأَ السَّجْدَة الَّتِي فِي آخر سُورَة الْحَج؛ فَسجدَ وسجدنا مَعَه».
وَأما حَدِيث أبي الدَّرْدَاء؛ فروَى عبد الرَّحْمَن بن جُبَير قَالَ: «رَأَيْت أَبَا الدَّرْدَاء سجد فِي الْحَج سَجْدَتَيْنِ» هَذَا ملخص مَا ذكره الْحَاكِم، وسَاق كل ذَلِك بأسانيده.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: فِي هَذَا الحَدِيث ابْن لَهِيعَة، وَهُوَ ضَعِيف الحَدِيث، وقَالَ فِي الْمعرفَة روينَا عَن خَالِد بن معدان أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «فضِّلت سُورَة الْحَج عَلَى الْقُرْآن بسجدتين»
قَالَ: وَهَذَا الْمُرْسل إِذا ضم إِلَى رِوَايَة ابْن لَهِيعَة صَار قويًّا. وَتَبعهُ ابْن الصَّلاح فَقَالَ فِي مشكله: فِي إِسْنَاده من لَا حجَّة فِيهِ، وَهُوَ ابْن لَهِيعَة ومشرح- وهما ضعيفان- لَكِن لَهُ شَاهد يقويه، وَقد رُوِيَ ذَلِك عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة قَالَ: وَقَوله: «وَمن لم يسجدهما فَلَا يقرأهما» مَعْنَاهُ- وَالله أعلم- أَن من لم يرد أَن يسجدهما فَلَا يقْرَأ آيتيهما.
وَأما ابْن الْجَوْزِيّ فاحتج فِي تَحْقِيقه بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور وَسَاقه من مُسْند أَحْمد، ثمَّ قَالَ: فَإِن قَالُوا: ابْن لَهِيعَة ضَعِيف. قُلْنَا: قَالَ ابْن وهب: هُوَ صَادِق. وَلم يزدْ عَلَى ذَلِك، وَهُوَ عَجِيب مِنْهُ، وأعجب مِنْهُ إغفاله تَضْعِيف مشرح بن هاعان، وَقد ذكره هُوَ فِي ضُعَفَائِهِ وَجزم النَّوَوِيّ فِي خلاصته بِضعْف الحَدِيث فَقَالَ: هَذَا الحَدِيث ضَعِيف؛ لِأَنَّهُ من رِوَايَة ابْن لَهِيعَة وَهُوَ ضَعِيف بالِاتِّفَاقِ لاختلال ضَبطه. وَقَالَ فِي شرح الْمُهَذّب: هَذَا الحَدِيث ضَعِيف؛ لِأَنَّهُ من رِوَايَة ابْن لَهِيعَة، وَهُوَ مُتَّفق عَلَى ضعف رِوَايَته، قَالَ: وَإِنَّمَا ذكرته لأبينه لِئَلَّا يُغتر بِهِ.
قلت: وَلَا ينتهى إِلَى هَذَا كُله؛ بل هُوَ قوي لشاهده وأَقْوَال الصَّحَابَة، كَمَا قَرّرته لَك.

.الحديث السَّادِس:

عَن عَمْرو بن العَاصِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أقرأه خمس عشرَة سَجْدَة فِي الْقُرْآن؛ مِنْهَا ثَلَاث فِي الْمفصل، وَفِي الْحَج سَجْدَتَانِ».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه فِي سُنَنهمَا وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه عَلَى الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث عبد الله بن مُنين، عَن عَمْرو بن العَاصِي، وَسكت عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد؛ وَهُوَ مُقْتَضَى لحسنه أَو صحَّته عِنْده، وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث رُوَاته مصريون قد احْتج الشَّيْخَانِ بأكثرهم، وَلَيْسَ فِي عدد سُجُود الْقُرْآن أتم مِنْهُ. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح المهذَّب: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم بِإِسْنَاد حسن. ثمَّ قَالَ بعد فِي فرع مَذَاهِب الْعلمَاء: إِنَّه حَدِيث صَحِيح، وَكَذَا قَالَ فِي خلاصته: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه بِإِسْنَاد حسن. وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث المهذَّب إِنَّه حَدِيث حسن.
قلت: وَفِي ذَلِك كُله نظر، فعبد الله بن منين هَذَا مَجْهُول، وَكَذَا الرَّاوِي عَنهُ وَهُوَ الْحَارِث بن سعيد العُتَقي الْمصْرِيّ، لَا جرم ضعفه عبد الْحق فِي أَحْكَامه بِعَبْد الله بن منين فَقَالَ: عبد الله بن منين لَا يحْتَج بِهِ.
قَالَ الْمُنْذِرِيّ: وَيشْتَبه بِعَبْد الله بن مُنِير الْمروزِي يروي لَهُ خَ. وَقَالَ ابْن الْقطَّان عقب قَول عبد الْحق: لَا يحْتَج بِهِ- يَعْنِي: أَنه مَجْهُول لَا يعرف- والمجهول لَا يحْتَج بِهِ قَالَ: وَقد وَقع فِي نسبه وَاسم أَبِيه اخْتِلَاف وتصحيف عَلَى ابْن أبي حَاتِم فَقَالَ: مُنِير- بالراء فِي آخِره- وَإِنَّمَا هُوَ منين- بنونين وَضم الْمِيم- وَقَالَ فِيهِ: من بني عبد الدَّار، وَصَوَابه أَنه من بني عبد كلال كَذَا هُوَ فِي كتاب أبي دَاوُد وتَارِيخ البُخَارِيّ وَلَا يعرف، رَوَى عَنهُ الْحَارِث بن سعيد العُتَقي وَهُوَ الَّذِي يعل بِهِ الحَدِيث؛ لِأَنَّهُ رجل لَا يعرف لَهُ حَال وَرَوَى عَنهُ ابْن لَهِيعَة وَنَافِع بن يزِيد، ذكره بذلك ابْن يُونُس فِي تَارِيخ مصر؛ فَالْحَدِيث من أَجله لَا يَصح، وَلَو كَانَ ابْن منين مَعْرُوفا.
قلت: وَوَقع فِي الْإِكْمَال لِابْنِ مَاكُولَا أَن عبد الله بن منين من بني عبد كلال من بني عبد الدَّار، وَقد علمت كَلَام ابْن الْقطَّان السالف فِيهِ. قَالَ الْأَمِير: وَلَيْسَ لَهُ غير هَذَا الحَدِيث.
وَاعْلَم أَن هَذَا الحَدِيث سَاقه ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن رشدين، عَن ابْن أبي مَرْيَم، عَن نَافِع بن يزِيد، عَن الْحَارِث بن سعيد عَن عبد الله بن منين، عَن عَمْرو بن العَاصِي... الحَدِيث. ثمَّ قَالَ: هَذَا الحَدِيث لَا يعْتَمد عَلَيْهِ. قَالَ ابْن عدي: ابْن رشدين كذبوه وَأنْكرت عَلَيْهِ أَشْيَاء. وَقَالَ: يَحْيَى بن أبي مَرْيَم لَيْسَ بِشَيْء. انْتَهَى مَا ذكره، وَكَأَنَّهُ كالعالم بِحَال الْحَارِث وَعبد الله بن منين أنَّى لَهُ ذَلِك، ثمَّ ابْن أبي مَرْيَم الَّذِي تكلم فِيهِ يَحْيَى هُوَ أَبُو بكر بكير، وَقَالَ فِيهِ مرّة: صَدُوق. وَأما رَاوِي هَذَا الحَدِيث عَنهُ غير أَحْمد بن مُحَمَّد بن رشدين فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن البرقي عَنهُ، عَن نَافِع بن يزِيد، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى الذهلي، عَن ابْن أبي مَرْيَم أَيْضا.

.الحديث السَّابِع:

عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ علينا الْقُرْآن، فَإِذا مر بِالسَّجْدَةِ كبر وَسجد وسجدنا».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه كَذَلِك وَزَاد: قَالَ عبد الرَّزَّاق: كَانَ الثَّوْريّ يُعجبهُ هَذَا الحَدِيث. قَالَ أَبُو دَاوُد: كَانَ يُعجبهُ؛ لِأَن فِيهِ: «كَبَّر».
وَهَذَا الحَدِيث من رِوَايَة عبد الله بن عمر بن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب قَالَ أَحْمد: صَالح الحَدِيث. وَقَالَ ابْن معِين: يكْتب حَدِيثه. وَقَالَ ابْن عدي: لَا بَأْس بِهِ، صَدُوق، وَأخرج لَهُ مُسلم مَقْرُونا بأَخيه عبيد الله بن عمر.
وَقَالَ يَعْقُوب بن شيبَة: صَدُوق ثِقَة فِي حَدِيثه اضْطِرَاب. وَقَالَ النَّسَائِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: ضعفه يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان من قبل حفظه.
وَاخْتلف قَول يَحْيَى فِيهِ؛ فَمرَّة ضعفه، وَمرَّة قَالَ: لَيْسَ بِهِ بَأْس يكْتب حَدِيثه. وَقَالَ ابْن حبَان: غلب عَلَيْهِ التَّعَبُّد حَتَّى غفل عَن حفظ الْأَخْبَار وجودة الْحِفْظ؛ فَوَقَعت الْمَنَاكِير فِي رِوَايَته، فَلَمَّا فحش خَطؤُهُ اسْتحق التّرْك. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب فِي بَاب الْغسْل: هُوَ ضَعِيف عِنْد أهل الْعلم لَا يحْتَج بروايته.
وَهَذَا لَيْسَ بجيد مِنْهُ؛ بل هُوَ من الْمُخْتَلف فيهم كَمَا علمت، وَقد قَالَ ابْن الْقطَّان: الصَّوَاب حسن هَذَا الحَدِيث؛ لِأَن الْعمريّ من النَّاس من يوثقه ويثني عَلَيْهِ، وَمِنْهُم من يُضعفهُ.
قلت: وَلم يتفرد بِهِ؛ بل تَابعه عَلَيْهِ أَخُوهُ عبيد الله- بِالتَّصْغِيرِ- الثِّقَة، فَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من حَدِيثه عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: «كُنَّا نجلس عِنْد النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيقْرَأ الْقُرْآن، فَرُبمَا مر بِسَجْدَة فَيسْجد ونسجد مَعَه» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم وَلم يخرجَاهُ. وَقَالَ: وَسُجُود الصَّحَابَة بسجود رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خَارج الصَّلَاة سنة عزيزة.
قلت: قد أخرجَا فِي صَحِيحَيْهِمَا عَن ابْن عمر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يقْرَأ الْقُرْآن، فَيقْرَأ فِيهَا سُورَة فِيهَا سَجْدَة فَيسْجد ونسجد مَعَه حَتَّى مَا يجد بَعْضنَا موضعا لمَكَان جَبهته» وَفِي رِوَايَة لمُسلم «فِي غير صَلَاة» وَلَو أورد الرَّافِعِيّ هَذَا الحَدِيث بِهَذَا اللَّفْظ لَكَانَ أولَى؛ لِأَنَّهُ سَاقه عَلَى الِاحْتِجَاج بِأَنَّهُ يسن السُّجُود للقارئ كَمَا يسن للمستمع، وَهَذَا الحَدِيث وافٍ بذلك مَعَ الِاتِّفَاق عَلَى صِحَّته، بِخِلَاف اللَّفْظ الَّذِي أوردهُ من طَرِيق أبي دَاوُد.

.الحديث الثَّامِن:

«أَن رجلا قَرَأَ عِنْد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم السَّجْدَة فَسجدَ، فَسجدَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَرَأَ آخر عِنْده السَّجْدَة فَلم يسْجد، فَلم يسْجد النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: سجدت لقِرَاءَة فلَان وَلم تسْجد لقراءتي! قَالَ: كنتَ إِمَامًا فَلَو سجدتَ لسجدنا».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مراسيله من رِوَايَة زيد بن أسلم قَالَ: «قَرَأَ غُلَام عِنْد النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم السَّجْدَة، فانتظر الْغُلَام النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يسْجد، فَلَمَّا لم يسْجد قَالَ: يَا رَسُول الله، أَلَيْسَ فِيهَا سَجْدَة؟ قَالَ: أَنْت قرأتها وَلَو سجدت سجدنا».
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا من رِوَايَة زيد بن أسلم، عَن عَطاء بن يسَار قَالَ: «بَلغنِي أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم...» فَذكر نَحوه.
وَرَوَاهُ الشَّافِعِي أَيْضا مُرْسلا من رِوَايَة عَطاء بن يسَار: «أَن رجلا قَرَأَ...» الحَدِيث بِمثلِهِ، إِلَّا أَنه قَالَ: «فَقَالَ: يَا رَسُول الله، قَرَأَ فلَان عنْدك السَّجْدَة فسجدت، وقرأت فَلم تسْجد! فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: كنت إِمَامًا فَلَو سجدتَ سجدتُ».
قَالَ الشَّافِعِي: إِنِّي لأحسبه- يَعْنِي: الرجل الْمَذْكُور- زيد بن ثَابت؛ لِأَنَّهُ يُحْكَى أَنه قَرَأَ عِنْد النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يسْجد، وَإِنَّمَا رَوَى الْحَدِيثين مَعًا عَطاء بن يسَار.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: هَذَا الَّذِي ذكره الشَّافِعِي مُحْتَمل، قَالَ: وَقد رَوَاهُ إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي فَرْوَة، عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي هُرَيْرَة مَوْصُولا، وَإِسْحَاق ضَعِيف.
قَالَ: وَرَوَى الْأَوْزَاعِيّ عَن قُرَّة، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة، وَهَذَا أَيْضا ضَعِيف وَالْمَحْفُوظ: عَطاء بن يسَار مُرْسل، وَحَدِيثه عَن زيد بن ثَابت مَوْصُول مُخْتَصر.
ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَن سليم بن حَنْظَلَة قَالَ: «قَرَأت السَّجْدَة عِنْد ابْن مَسْعُود فَنظر إِلَيّ فَقَالَ: أَنْت إمامنا فاسجد نسجد مَعَك».

.الحديث التَّاسِع:

«أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سجد فِي الظّهْر فَرَأَى أَصْحَابه أَنه قَرَأَ آيَة سَجْدَة فسجدوا».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه من رِوَايَة سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، عَن أُميَّة، عَن لَاحق بن حميد أبي مجلز السدُوسِي الْبَصْرِيّ، عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سجد فِي صَلَاة الظّهْر، ثمَّ قَامَ فَرَكَعَ، فَرَأَيْنَا أَنه قَرَأَ: تَنْزِيل السَّجْدَة».
وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده بِلَفْظ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام سجد فِي الرَّكْعَة الأولَى من صَلَاة الظّهْر، فَرَأَى أَصْحَابه أَنه قَرَأَ: تَنْزِيل السَّجْدَة».
وَأُميَّة هَذَا لَا يعرف حَاله، قَالَ الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان: لَا يُدرى من ذَا وَلَا أعلم رَاوِيا عَنهُ غير سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، وَقد انْفَرد أَبُو دَاوُد بِالْإِخْرَاجِ لَهُ.
وَسَبقه إِلَى ذَلِك ابْن الْقطَّان فَقَالَ: لَا أعلم أحدا صنف فِي الرِّجَال ذكره، وَهُوَ مَجْهُول الْحَال، وَقد رَوَى أَبُو عِيسَى الرَّمْلِيّ عَن أبي دَاوُد أَنه قَالَ إِثْر هَذَا الحَدِيث: أُميَّة هَذَا لَا يعرف.
وَقد ذكر الطَّحَاوِيّ هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة، يزِيد بن هَارُون، عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، عَن أبي مجلز، عَن ابْن عمر بِغَيْر توَسط أُميَّة الْمَذْكُور بَينهمَا، وَقَالَ: لم أسمعهُ مِنْهُ. قَالَ ابْن الْقطَّان: فَالْحَدِيث إِذا ضَعِيف.
قلت: وتابع يزِيد بن هَارُون هشيم وعبثر بن الْقَاسِم وَغَيرهمَا.
وَقَالَ الْمزي فِي أَطْرَافه: رَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور، عَن مُعْتَمر بن سُلَيْمَان، عَن أَبِيه قَالَ: أَخْبرنِي أُميَّة، عَن أبي مجلز «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم...».
قلت: وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه عَن أبي سعيد الثَّقَفِيّ، نَا يُوسُف القَاضِي، نَا مُحَمَّد بن أبي بكر نَا يَحْيَى بن سعيد، عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، عَن أبي مجلز، عَن ابْن عمر: «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَّى الظّهْر فَسجدَ، فظننا أَنه قَرَأَ: تَنْزِيل السَّجْدَة». ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وَهُوَ سنة صَحِيحَة غَرِيبَة أَن الإِمَام يسْجد فِيمَا يسر بِالْقِرَاءَةِ مثل سُجُوده فِيمَا يعلن.

.الحديث العَاشِر:

عَن عَائِشَة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- قَالَت: «كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فِي سُجُود الْقُرْآن بِاللَّيْلِ سجد وَجْهي للَّذي خلقه وصوره وشق سَمعه وبصره بحوله وقوته».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمْ وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه بِدُونِ «وصوره».
قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ الْحَاكِم: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَسقط لَفْظَة «بِاللَّيْلِ» فِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ وَإِحْدَى رِوَايَات الْحَاكِم.
وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: «يَقُول فِي السَّجْدَة مرَارًا سجد وَجْهي...» إِلَى آخِره.
وَزَاد الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ: «فَتَبَارَكَ الله أحسن الْخَالِقِينَ».
وَرَوَاهُ ابْن السكن فِي سنَنه الصِّحَاح المأثورة وَقَالَ فِي آخِره: «ثَلَاثًا».
وَاعْلَم أَنه وَقع فِي رِوَايَة أبي دَاوُد عَن خَالِد الْحذاء، عَن رجل، عَن أبي الْعَالِيَة، عَن عَائِشَة، وَكلهمْ قَالُوا: نَا خَالِد الْحذاء عَن أبي الْعَالِيَة. بِإِسْقَاط هَذَا الرجل، وَقد صَححهُ من هَذَا الْوَجْه التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَهُوَ مُقْتَض لسماعه مِنْهُ فَيحمل عَلَى أَنه سَمعه مِنْهُ مرّة بِوَاسِطَة وَمرَّة بِدُونِهَا.